عذيّة العقلة.. سورية تعيش قرن من الحصاد والكرامة في وجه الزمن

عذيّة العقلة.. سورية تعيش قرن من الحصاد والكرامة في وجه الزمن
السورية عذيّة العقلة

عاشت عذيّة حمود العقلة مئة عامٍ بين الحقول وساحات القمح والشعير والقطن، تحيا مع الأرض وتتنفس من ترابها، حتى صارت رمزاً للمرأة الريفية السورية التي ربطت مصيرها بالأرض، فوجدت فيها عزّها وكرامتها. 

لم تعرف الملل يوماً، ولم تترك التعب يهزمها، بل نسجت بخيوط العطاء حكاية جيلٍ كاملٍ من النساء اللواتي صنعن مجد الريف السوري بعرق الجبين.. تجلس العقلة أمام بيتها الطيني في ريف دير الزور، تتأمل الغروب بعينٍ رسم الزمن على ملامحها خطوطاً من تعبٍ وحنين، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الأحد 

تقول بصوتٍ تغمره الذكريات: "كنا نحصد القمح ونلتقط القطن ونحلب الأبقار ونصنع السمن البلدي بأيدينا. لم نعرف الراحة، لكننا كنا سعداءً بما لدينا".

وتصف بحنينٍ تلك الأيام التي كانت النساء فيها يلتقين في موسم الحصاد يغنين وهنّ يعملن، فتتحول الحقول إلى مهرجانٍ من البهجة رغم المشقة، مضيفة: "كنا نعمل مع الرجال جنباً إلى جنب، نزرع بأيدينا بلا آلات ولا جرارات. كانت عزيمتنا هي قوتنا، والزراعة تجمعنا في الخير والتعاون".

عمل جماعي وروح واحدة

تروي عذيّة أن الزراعة لم تكن مجرد مهنة، بل أسلوب حياةٍ ومدرسة في الصبر والعطاء.. تقول: "كنا نساعد بعضنا في كل شيء، من إعداد الطعام إلى خضّ اللبن.. لم تكن حياتنا سهلة، لكنها كانت مليئة بالمحبة.. اليوم غابت تلك الروح التي كانت تجمعنا، وصار كل واحد مشغولاً بنفسه".

وترى أن العمل الجماعي كان سرّ قوة المجتمع الريفي، فالنساء كنّ عماد الأسرة، وكل واحدة تعرف دورها، والتعب كان أخفّ حين يتقاسمنه معاً.

تحمل على وجهها وشوماً قديمةً، كانت في زمنها رمزاً للجمال والهوية.. تبتسم بفخرٍ وهي تقول: "هذه الوشوم كنا نضعها زينةً وفخراً بالأنوثة والانتماء.. اليوم يرونها عادة غريبة، لكنها بالنسبة لي ذكرى لا تُمحى".

وتؤكد أن تلك العلامات لم تكن مجرد زينة، بل تعبير عن روح جيلٍ كان يرى في البساطة جمالاً وفي الانتماء فخراً لا يزول.

غياب زمن البركة 

تتنهد عذيّة العقلة وهي تقارن بين الأمس واليوم، فتقول: "كنا نعيش بالقليل، لكنه كان كثيراً ببركته.. تعبنا كان يملؤنا فرحاً لأننا نكسب لقمتنا بعرقنا.. اليوم كل شيء جاهز لكن بلا طعم، حتى الفرح صار ناقصاً".

ورغم عمرها الطويل وضعف جسدها، ما زالت تزور أرضها كل صباح، تمسح التراب بيديها كمن يلامس قلبه، وتقول: "الأرض لا تخون من يحبها.. كلما لمستها، شعرت أني ما زلت على قيد الحياة".

رسالة للأجيال الجديدة

توجّه العقلة كلماتها للشباب بنبرة الأم الحنون: "تمسكوا بالأرض، فهي الأصل، ولا تستبدلوها بالراحة. العمل حياة، والكسل موت بطيء.. تعبنا علّمنا الرضا، والرضا هو سرّ العمر الطويل".

وتُعدّ عذيّة حمود العقلة ذاكرةً نابضة لمدينة هجين والريف الشرقي في دير الزور. فهي تمثل جيل النساء اللواتي حملن مسؤولية الأسرة والأرض والمجتمع بصبرٍ وإيمان، وبنين الحياة من بساطة التراب.

ومن بين تجاعيد وجهها تخرج الحكايات القديمة، وكأنها تهمس للأجيال الجديدة بأن الكرامة تُزرع كما يُزرع القمح، وأن من أحبّ الأرض بصدقٍ، لا يشيخ أبداً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية